إعلام ذوى الهمة العلية بما ذكرناه فى جامع الأحاديث من التراجم والفوائد والتعقبات العلمية

يعتبر جامع الأحاديث من أوسع كتب متون السنة الشريفة والذى صدر فى (13) مجلدا عن دار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف الكويتية فى مشروع علمى تحت رعاية د . حسن عباس زكى وإشراف فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية ، وقد كان للفقير عصام أنس الزفتاوى شرف رئاسة اللجنة التى قامت بتحقيقه ، كما قدمنا له بدراسة وافية شملت تراجم واسعة للسيوطى والمتقى الهندى والمناوى والنبهانى ، كما قدمت هذه الدراسة تحليلا جديدا لمؤلفاتهم من خلال رؤية منهجية جديدة لتحليل المصنفات ، بالإضافة إلى ذلك فقد تكلمت الدراسة عن منهج العمل ، وأهم الفوائد العلمية التى قدمها المشروع من مناقشات علمية وفوائد حديثية وتراجم لرواة تفردت الموسوعة بهم إلى غير ذلك ، وقد صدرت الموسوعة فى قرص مدمج بالإضافة إلى النسخة المطبوعة .
ومن الخدمات العلمية التى قدمناها : العديد من تراجم الرواة الذين لا ترجمة لهم فى الكتب المعروفة ، والعديد من الفوائد والتعقبات على الحفاظ ، مما نرجو أن نكون قد وفقنا فيه للصواب ، وهذه المدونة تعنى بجمع ما تناثر من ذلك فى ثنايا الكتاب ، وأوردناه هنا على ترتيب ورودها فى جامع الحديث مع ذكر نص الكلام بتمامه .

الجمعة، ١٤ سبتمبر ٢٠٠٧

112) نموذج من التصحيف والتحريف الذى يقع فى المصادر والمطبوعات :

حديث (9883) أوحى الله إلى موسى أن قومك بنوا مساجدهم وخربوا قلوبهم وتسمنوا كما تسمن الخنازير يوم ذبحها وإنى نظرت إليهم فلعنتهم فلا أستجيب لهم ولا أعطيهم مسألتهم (ابن منده ، والديلمى عن ابن عم حنظلة الكاتب) . (كذا ذكر الإمام السيوطى . ولعله : عن هارون بن رئاب مقطوعا على ما أخرجه فى الحلية ، ومن قبيلة حنظلة الكاتب [ز])

------------------------------------------------------
التخريج
أخرجه الديلمى (1 / 142 ، رقم 507) لكن قال : إبراهيم بن حنظلة . وأخرجه أيضاً : ابن أبى شيبة (7 / 72 ، رقم 34282) ، وأحمد فى الزهد (ص 86) ، والشجرى فى أماليه (ص 190) .
------------------------------------------------------
التعليقات العلمية قال مقيده عفا الله عنه : وقع فى مخطوطة الجامع (1 / 335) وكنز العمال (43723) : ((ابن عم حنظلة الكاتب)) ، ووقع فى الفردوس : ((إبراهيم بن حنظلة)) ولم يلقبه ، وفى المصنف : ((... مالك بن مغول عن الحسن أبى يونس عن هارون بن رباب قال حدثنى ابن عمر عن حنظلة كاتب النبى صلى الله عليه وسلم)) ، وفى الزهد : ((... مالك يعنى ابن مغول قال سمعت أبا يوسف الحسن بن يزيد عن هارون قال حدثنى ابن عم حنظلة)) ، وفى الأمالى الشجرية : ((مالك بن مغول عن الحسن عن هارون بن ريان، قال حدثنى ابن حنظلة)) . وكل هذه الوجوه متضاربة ، وهو نموذج لما يقع فى مصادرنا من التصحيف والتحريف ، بحيث لا يكاد يوقف على الصواب فيه ، وقد قلّبته على وجوهه فلا يزداد الأمر إلا التباسا فلا وجود لابن عم حنظلة الكاتب فى الرواة فضلا عن الصحابة، ولا لإبراهيم بن حنظلة فى تلك الطبقة ، وهارون بن رباب ، أو ابن ريان كل ذلك تصحيف ، وقد تحيرت فيه كثيرا حتى فتح الله بوجه أرجو أن يكون الصواب فيه ، وهو : ((هارون بن رِئَاب وهو ابن عم حنظلة الكاتب)) ، ثم تلَّون الكلام ألوانا على ما رأيتَ ، وقد كثر فى المطبوعات تحريف اسم أبيه إلى رباب ، والصواب رئاب كما فى تبصير المنتبه وغيره ، كما كثر نسبته الأسدى ، والصواب الأُسَيْدِىّ ، وهارون بن رِئَاب أبو الحسن البصرى الأسيدى التميمى من بنى أسيد بن عمرو بن تميم ، وهى قبيلة حنظلة بن الربيع بن صيفى الأسيدى كاتب الوحى للنبى صلى الله عليه وسلم وأحد مشاهير الصحابة رضوان الله عليهم ، فيصح لغة أن يطلق على هارون أنه ابن عم حنظلة ، وتكون هذه العبارة وقعت من أحد الرواة عنه للتعريف به ، بل قال ابن ماكولا عنه : ((قيل هو من ولد رباح بن الربيع)) ، ورباح أخو حنظلة ، وهو صحابى أيضا . وأما هارون هذا فمن متقدمى العباد والزهاد من صغار التابعين ، حتى قال أبو داود : هو أجل أهل البصرة ، ونعته الذهبى بالإمام الربانى العابد ، وبقى أن يُروى هذا الأثر من طريقه ليصح لنا الكلام ، وقد كان فإن أبا نعيم ترجم له فى الحلية فذكر عنه أثرين مقطوعين ثم أخذ فى ذكر ما رواه مرفوعا ، والأثر الأول المقطوع فى حملة العرش ، والثانى هو حديثنا لكن من طريق آخر عن حماد بن واقد عن الحجاج بن الأسود عن هارون بلفظ : ((أوحى الله تعالى إلى نبى من أنبيائه أن أخبر قومك أنهم قد عمروا بنيانهم وخربوا قلوبهم وسمنوا أنفسهم كما تسمن الجزائر ليوم ذبحها فنظرت إليهم فقليتهم فدعونى فلم أستجب لهم وسألونى فلم أعطهم)) ، فهذا يؤكد صحة الوجه الذى ذكرناه ، على أن هارون بن رئاب مع كونه إماما ، فإنه قليل الحديث جدا اشتغالا بالعبادة والعمل ، ومع هذا روى حديثا مرسلا كما فى طبقات ابن سعد (1 / 448) فى الحجامة ، كما أرسل عن عبد الله بن عمرو قصة عند حضور أجله أغرم الإمام الذهبى بها لفائدتها فذكرها فى ثلاثة مواضع وعلق فى ثالثها بأن هارون ثقة لكنه لم يلحق عبد الله بن عمرو (انظر : تذكرة الحفاظ 1 / 279 ، 2 / 434 ، السير 8 / 396) ، كما روى هارون عن اثنين من الصحابة من الأفراد : عسعس (الإصابة 4 / 499 ، ترجمة 5546) ، وأبى نجيح السلمى (7 / 411 ، ترجمة 10635) ، فيحتمل أيضا أن يكون من الأفراد الذين تفرد بحمل العلم عنهم : ابن عم حنظلة الكاتب أيضا ، ولحنظلة عم مشهور هو أكثم بن صيفى حكيم العرب ، والراجح فيه أنه أدرك النبى صلى الله عليه وسلم وأسلم لكن توفى فى طريق هجرته ولم ير النبى صلى الله عليه وسلم ، فقيل : نزلت فيه {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء 100] ، وليس لأحد من أبنائه ذكر فى الصحابة ، وعلى كل فهذا الوجه ((ابن عم حنظلة)) أبعد من الوجه الأول ويلزم عليه أن يكون فات الكل ترجمة ابن عم حنظلة هذا ، ويحصل مما ذكرناه أن هارون يرسل ، ويروى آثار أهل الكتاب ، كما تفرد بالرواية عن بعض من ذكر فى الصحابة ، والأقرب الحمل على التحريف وتصحيح الكلام بما ذكرناه ، والله أعلم . انظر ترجمة هارون : الحلية (3 / 55 ، ترجمة 206) ، التهذيب (30 / 82 ، ترجمة 6510) ، سير الأعلام (5 / 263 ، ترجمة 123) ، الإكمال لابن ماكولا (1 / 74 ، 118 ، 4 / 5) ، وتبصير المنتبه (2 / 586) . وترجمة حنظلة الكاتب : الإصابة (2 / 134 ، ترجمة 1861) ، والتهذيب (7 / 438 ، ترجمة 1560) . وترجمة أكثم بن صيفى : الإصابة (1 / 209 ، ترجمة 485) .

ابحث

Google